Sunday, June 28, 2015

عالم الإتّصال التقني والتواصل عن بعد

عالم الإتّصال والتواصل، هذا ما يُدعى عالمنا اليوم. لكن الحقيقة ان الناس ما عادت تتواصل بأصالة مع بعضها البعض، بل تتواصل من خلال الأجهزة الالكترونيّة التي لا تفارقها.
ممّا يؤدّي الى فقدان التواصل المباشر بين الناس، ما يؤدي ربّما الى فقدان الإنسانيّة لمعانيها، لأنّ هذه الأخيرة تتجلّى ببساطة بتواصل الناس مع بعضهم البعض، بمشاركة افراحهم واحزانهم، بالشعور معهم وبهم دون وساطة آليّة، ومساعدتهم وتقبّل أهوائهم وتغيّراتهم...
وهذا برأيي، لا يحدث عبر الآلة مهما حاولنا تحميلها مشاعرنا وأحاسيسنا وصورنا. قد يقول البعض ان الكلمات تستطيع نقل الرسالة بأمانة، كيف لا وهي مطيّة اللسان والمخيّلة الطيّعة... ولكن كيف يمكن للكلمات ان تعبّر عن ابتسامتنا ودمعتنا والتعاطف في عيوننا ؟؟؟
وكيف يستطيع التواصل الالكتروني والتقني عبر الهاتف المحمول او جهاز الكمبيوتر ان يحلّ مكان الإنسان بكليّته؟ بتعابير جسده وعفويته؟ فالتعبير بالكلمة والصورة عن بعد ليستا الاّ صورة منقوصة عمّا يستطيع الانسان ان يقوله لأخيه او صديقه، حتّى وان احترف فنّ الكتابة حتّى الإبداع... فكيف بك واللغة المُستعملة اليوم في عصر سرعة المعلومات هي لغة مسخٌ لا لون لها ولا قيمة، مزيج من لغات عدّة وارقام نزجّ بها في غير محلّها لتقوم مقام الأحرف البديلة في عصر الهذيان المعلوماتي.
إنّ اشكاليّة الإتصّال والتواصل اليوم، تفتح المجال واسعًا  أمام دراسة العلاقات الإنسانيّة من جديد على ضوء التطوّر التقني المتسارع، وتضعنا في مواجهة القيم الأساسيّة في حياتنا اليوميّة، بدءًا بالعائلة وتربية الأطفال والتعامل مع الناس بشكل عامّ.
كما تضعنا امام اشكاليّة الوقت، فالمفترض بوسائل التكنولوجيا الحديثة ان توّفر الوقت وتسهّل حياة الإنسان وعمله، كي يتسنّى  له المزيد من "الوقت" كي يقوم بما يُحبّ.
الاّ ان الحقيقة انّ انسان اليوم أصبح عبدًا لهذا "الوقت" الهارب، مرتهن له، لاهثًا وراءه، غير مدرك ان ما يفقده خلال مواكبة هذه الموجة الهائجة من التطوّرات التقنيّة، يفوق كثيرًا ما يكسبه، اذا ما قيس بأهميّة العلاقة المباشرة مع عائلته وأحبّائه وأصدقائه، فالتقارب الطبيعيّ يُنمّي العلاقات الإنسانيّة، ويحمي الإنسان من التحوّل الى تابع أمين للتكنولوجيا الحديثة، التي وُجدت في الأصل لمساعدته، لا لتزجّ به في حالة مرضيّة من الخوف من عدم اللحاق بركب عصر السرعة المتزايدة.
لهذا، يجب على الشباب اليوم ان يفكّروا مليًّا بأولويّاتهم، بما يحبّون ان تؤول اليه حياتهم، بما يريدون ان يضحّوا به، قبل الإرتماء اللاواعي في شباك زمن الآلة الذي لا يرحم... 
بقلم حياة عون

No comments:

Post a Comment